مانويل أرنو، رئيس تحرير المجلة بعدسة Ziga Mihelcic
إننا نعيش في منطقة تمثّل الموسيقى جزءًا لا يتجزأ من ثقافتها، بل وتسهم بمعنى الكلمة في توحيد الشعوب من كل أنحاء العالم العربي. وفي منطقة متنوّعة إلى حد كبير وزاخرة بالطبقات [المختلفة]، أودّ أن أقول إن الموسيقى من الموضوعات القليلة التي يتفق عليها كل العرب، وليس أدلّ على ذلك من الاحتفاء بأسماء مثل فيروز ووردة وصباح، من المغرب إلى السعودية.
وترتبط إحدى قصصي المفضّلة، التي دائمًا ما يرددها أصدقائي المصريون عند زيارتي للقاهرة، بوقت إذاعة الحفلات الحيّة لأم كلثوم بالراديو. فوقت إذاعة الحفل، تصبح المدينة خالية تمامًا، ويسودها الصمت (تخيلوا القاهرة يسودها الصمت!) حيث تستقر كل العائلات بالمنزل – وآذانهم ملاصقة للراديو، من أجل الاستماع إلى الصوت الأيقوني للمطربة فيما تصدح بأغانيها العذبة المنسّقة ببراعة على مدى أكثر من 45 دقيقة. تلك هي بالتحديد قوة الموسيقى العربية: فهي تروي لنا قصة، وتجذبنا إليها، وتستحوذ على كامل اهتمامنا.
وفي الوقت الذي أصبحنا نحتاج فيه إلى الموسيقى أكثر من ذي قبل، باعتبارها رمزًا للأمل والاتحاد في المنطقة، قررنا تكريس عدد كامل لهذه الصناعة. وعلى هذا النحو، تزيّن غلافَ هذا العدد تسعُ نجمات واعدات من جميع أنحاء العالم العربي، واللواتي استطعن بالفعل تحطيم الأرقام القياسية والفوز بالجوائز. ووقع اختيارنا على منسّقات أغاني ومغنيات بوب وراب ومغنيات كلاسيكيات، لإظهار المواهب النسائية المتنوّعة التي تنعم بها المنطقة.
وعندما كنتُ في ميلانو أثناء أسبوع الموضة، وصلتُ إلى عرض «برادا» في نفس توقيت وصول فرقة البوب الكورية الرائعة «إنهايبن»، والتي تزيّن غلافنا الثاني أيضًا. ورغم أنني لم أكن أعرف الفرقة حق المعرفة، وقفتُ مشدوهًا أمام الأضواء التي استحوذتْ عليها، والتأثير الذي أحدثته حتى بين جمهورنا؛ فقد كان منشورنا على «إنستغرام» الذي يعلن عن وصول «إنهايبن» إلى عرض «برادا» المنشور الأكثر تفاعلاً وإعجابًا ومشاركةً من بين جميع تغطياتنا على مواقع التواصل الاجتماعي لهذا الموسم. وعندما عدتُ إلى دبي وأجريتُ مزيدًا من البحث، أدركتُ أن موسيقى البوب الكورية أَسَرَت أيضًا شبابَ الشرق الأوسط، وأصبحت الأجيالُ الشابة تتعلّم اللغة الكورية، وتشكّل مجموعات رقص، وتشتري مستحضرات التجميل الكورية، وتتعلّم طهي أطباقها. وفي ديسمبر الجاري، ننشر ملفًا كاملاً يجمع عددًا من أنشط جماهير موسيقى البوب الكورية في المنطقة. وكان هذا المشروع من أكثر المشروعات التي استمتع فريقُنا بإعدادها، إذ يعجّ المقر الرئيسي لــڤوغ العربية أيضًا بعشّاق موسيقى البوب الكورية.
ولم نكن لنقدّم عددًا عن الموسيقى دون أن ندرج الإيقاعات اللاتينية، لأنها النوع المسيطر على موجات الأثير منذ عقود. وتُعدّ أنيتا القادمة من البرازيل ملكةَ عالم الغناء الجديدة في ذلك الجزء من العالم، وتسعى بجد للهيمنة على الساحة العالمية. وهي تشدو بالبرتغالية والإسبانية والإنجليزية، وتمثّل أيضًا، وتُعدّ المحبوبة الجديدة في دنيا الموضة، إذ تشارك في عروض «دولتشي آند غابانا»، وترتدي تصاميم «مايكل كورس» على السجادة الحمراء لحفلات «ميت غالا»، وتظهر على كثير من أغلفة مطبوعات الموضة العالمية.
وأحد القواسم المشتركة التي تجمع بين كل هؤلاء الفنانات –بما في ذلك نجمات مثل بيونسيه، وجينيفر لوبيز، وتايلور سويفت– هو حبهن جميعًا للمصممين العرب، لذا يتألقن على المسارح وعلى السجادة الحمراء بإبداعات «نيكولا جبران»، و«إيلي صعب»، و«زهير مراد»، و«جورج حبيقة». إن صعود الأزياء الراقية العربية على مسارح العالم لموضوع نفتخر به دائمًا، ويمكنكم قراءة مزيد من التفاصيل عنه في صفحة 162 (في القسم الإنجليزي).
وأخيرًا، من المشروعات التي يسعدني للغاية تقديمها في شهر ديسمبر الجاري هو فرقة أوركسترا الفردوس النسائية بالكامل التي تتخذ من دبي مقرًا لها. وفي عالم الموسيقى الكلاسيكية المتمركزة في أوروبا والتي يهيمن عليها الرجال، تُعدّ هذه الفرقة التي أسَّسَتها معالي ريم الهاشمي في دبي سيمفونيةً للتنوّع؛ فإلى جانب الموسيقى الكلاسيكية، تعزف الفرقة أيضًا بآلات موسيقية عربية، كما شاركت مع الفنانين يويو ما وأندريا بوتشيلي وكريستينا أغيليرا على المسرح، ما يدلّ على أن المنطقة تتأهّب للاحتفاء بالموسيقى على المستوى العالمي. وتلك هي الموسيقى التي تطرب أذني…
كلمة رئيس تحرير المجلة لعدد شهر ديسمبر 2023
